في هذه الدقيقة مرّت بخاطري فكرةٌ جليلة... جليلة جداً... فاسمعي يا صغيرتي الحلوة: إذا تخاصمنا في المستقبل ( هذا إذا كان لا بد من الخصام) يجب أن لا نفترق مثلما كنا نفعل في الماضي بعد كل معركة. يجب أن نبقى... برغم الخصام... تحت سقف بيت واحد حتى نملّ الخصام فنضحك... أو يملنا الخصام فيذهب هازّاً رأسه.
ما قولك في هذا الرأي؟
أنت أقرب الناس إلى روحي... أنتِ أقرب الناس إلى قلبي ونحن لم نتخاصم قط بروحينا أو بقلبينا... لم نتخاصم بغير الفكر والفكر شيءٌ مكتسب... شيءٌ نقتبسه من المحيط... من المرئيات... من مآتي الأيام... أما الروح والقلب فقد كانا فينا جوهريين علويين قبل أن نفتكر.
وظيفة الفكر الترتيب... وهي وظيفة حسنة ولازمة لحياتنا الاجتماعية ولكن لا مكان لها في حياتنا الروحية القلبية. يستطيع الفكر " الجليل" أن يقول " إذا تخاصمنا في المستقبل يجب ألا نفترق"... يستطيع الفكر أن يقول كلمة واحدة عن المحبة لا يستطيع أن يقيس الروح بمقاييس كلامه ولا يستطيع وزن القلب بموازين منطقه.
أحبُّ صغيرتي... غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها.. ولا أريد أن أدري بعقلي... يكفي أنني أحبها... يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي... يكفي أنني أسند رأسي إلى كتفها كئيباً غريباً مستوحداً فرحاً مدهوشاً مجذوباً... يكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل وأن أقول لها بين الآونة والأخرى " أنتِ رفيقتي... أنتِ رفيقتي".
ها قد بلغنا ساعةً متأخرة من الليل ولم نقل بعد سوى القليل القليل مما نريد أن نقوله... الأفضل أن نتحدث ساكتين حتى الصباح... وعند الصباح ستقف صغيرتي المحبوبة بجانبي أمام أعمالنا الكثيرة... وبعد ذلك... بعد إنقضاء النهار ومشاكله... سنعود ونجلس أمام هذا الموقد ونتحدث.
والآن قرّبي جبهتك... كذا....والله يباركك...والله يحرسكِ
جبران خليل جبران
نيويورك بين 1 و 3 كانون الأول
1923
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق